جمعية ستيفيس للصحة النفسية لولاية سطيف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الصحة النفسية للطفل

اذهب الى الأسفل

الصحة النفسية للطفل Empty الصحة النفسية للطفل

مُساهمة  أ.بوعود الثلاثاء ديسمبر 22, 2009 3:09 pm

السلام عليكم

الصحة النفسية للطفل

إشكالية العلاقة بين الآباء والأبناء :

من خلال الجلسات النفسية الفردية وجلسات العلاج النفسى الجمعى ينكشف الستار عن اضطراب العلاقة بين الأبناء والآباء , ويكون هذا الإضطر اب من أهم العوامل المهيئة والمرسبة للإضطرابات النفسية لدى الطرفين.

وفى أغلب الحالات تضطرب هذه العلاقة دون قصد فالوالين بدافع فطري يريدان السعادة والنجاح لأبنائهما ولكنهما أحيانا يفقدان الطريق الصحيح عن غير قصد فيتورطان فى الإفراط أو التفريط وتكون النتيجة فى الحالتين اضطرابا نفسيا فى الطفل الذى أحبانه ودفعا حياتهما ثمنا ليكون سعيدا .

ومما يزيد الأمر صعوبة فى بيئتنا الشرقية أن اضطراب العلاقة بين الآباء والأبناء يظل تحت غطاء ساتر طوال الوقت ولا ينكشف إلا فى ظروف شديدة الخصوصية كالعلاج النفسى الفردى أو الجمعى أو العائلى , أما فى غير هذه الظروف فإن الأبناء - غالبا - لا يجرؤن على الإقتراب من هذه المنطقة الحساسة وهم فى حالة الوعى العادى , أما الآباء فإن لديهم اعتقاد بأنهم قدموا أفضل ما عندهم لأطفالهم ولكن تمرد الأطفال وعصيانهم للأوامر هو الذى جعلهم فى حالة اضطراب .

مفهوم الصحة النفسية :

تراكمت فى السنوات الأخيرة معلومات مفيدة حول أفضل الوسائل للوصول إلى الصحة النفسية للطفل وعلاج الإضطرابات النفسية لديه , وقد حاولنا - بعون من الله - أن ننتقى من المعلومات المتوافرة ما يتمشى مع ثقافتنا ويساعدنا فى تربية أبنائنا وبناتنا بشكل صحيح .

ونحن لن ندخل في عرض نظريات تربوية ترهق القارئ وربما لا تعنيه كثيراً وإنما سنتكلم بشكل عملي من خلال الرسائل التي تصلنا كل يوم أثناء الجلسات النفسية العميقة سواء كانت فردية أو جماعية مع الأطفال والكبار .
وفي هذا الصدد نواجه سؤالاً بالغ الأهمية :
*ما هي الصحة النفسية؟
*وكيف يصبح الإنسان صحيحاً نفسياً ؟

قد تكون الإجابة ببساطة هي أن الإنسان الخالي من الأمراض النفسية هو الإنسان الصحيح نفسياً ، لكن هذا التعريف للصحة النفسية مختزل جداً ، ولا يؤدي الغرض ، لأن هناك بعض الأشخاص لا يعانون من أي مرض نفسي لكن أداؤهم في الحياة أقل مما هو متوقع لأمثالهم ، فحركتهم في الحياة وتكيفهم الاجتماعي وإبداعاتهم أقل مما هو متوقع ، فلا نستطيع أن نقول أن شخصاً ما صحيح نفسياً لمجرد كونه خالي من الأمراض النفسية بالمعنى الإكلينيكي لها ، إذاً فهنالك تعريف أكبر وأشمل وأوسع للصحة النفسية .

واختصاراً لجهود كثيرة ، وصل العلماء إلى أن الصحة النفسية هي مفهوم إيجابي متعدد المستويات يكون فيه الإنسان صحيحاً على المستوى الجسدي ثم على المستوى النفسي ثم على المستوى الاجتماعي ، ثم على المستوى الروحي .

إذاً فهو مفهوم متعدد المستويات لابد أن يكون في حالة توازن ما بين إشباع هذه المستويات وتنشيطها ، فلو بالغ أحدهم في إشباع الجانب الجسماني على حساب الجانب النفسي أو على حساب الجانب الروحي ، فبالتالي يكون قد أخل بالتوازن ، ويصبح غير صحيح نفسياً .

قواعد الصحة النفسية للطفل :

وإذا انتقلنا من العام إلى الخاص وحاولنا الإجابة على تساؤل أحد الأمهات ( أو الآباء ) : كيف أتعامل مع ابنى لكى يصبح صحيح نفسيا ؟

والإجابة على هذا التساؤل الهام تتمثل فى اتباع القواعد التالية :

1- التوازن بين التطور والتكيف :

هناك قاعدة تربوية هامة يمكننا اعتبارها قاعدة ذهبية في هذا المجال ، وهي أن الطفل كائن نامي ، ينمو كل يوم ، ينمو في جسده وفي تفكيره وفي طاقاته وفي إدراكه وفي كل شيء ، فهذا الطفل النامي يتغير من لحظة لأخرى ومن يوم لآخر ، وفي ذات الوقت يحتاج مع هذا التغيير المستمر وهذا النمو المطرد أن يكون في حالة تكيف وانضباط وسلام مع البيئة والمجتمع المحيط به ، وبهذا سنقول أن هذا الطفل لكي يكون صحيح نفسياً ونطمئن عليه ، فلابد أن يكون هناك توازن بين متطلبات نموه وتطوره ومتطلبات تكيفه مع المجتمع والحياة .

مثلا الطفل الذي ينمو بسرعة في جسمه وفي ذكائه وفي تفكيره وفي كل شيء يخصه ، ولكن – وبالمقابل – ليست له علاقة بالمجتمع الذي يعيش فيه ولا يتكيف معه ، فهو في حالة تطور مطلق بدون قيود ، وإذا ترك بهذا الشكل سيصبح أنانياً ولديه حالة نرجسية شديدة ولا يفكر إلا في نفسه ونموه وتطوره ، وفي النهاية سيكون مدمرا لمن حوله ولنفسه أيضاً وفي حالة صراع دائم مع البيئة التي يعيش فيها ، برغم كونه متطورا وناميا ومبدعا .

وعلى العكس ، إذا كان هناك طفل آخر متكيف بدون تطور ، بمعنى أنه مطيع جداً ، هادئ جداً ، ولا يفعل شيئ إلا بأمر من الأب أو الأم ، ويحتاج لأمر آخر ليوقف هذا الفعل ، فهو مطيع تماماً لكل ما يأتي إليه من أوامر وتوجيهات وليست له أي حركة تطور أو نمو أو تفكير أو إبداع أو أي شيء .

هذا الطفل في معيار الأب والأم وهو صغير طفل مريح جداً لأنه ( بيسمع الكلام ) وهذا هو هدف كل أب وأم , ولكن عندما يكبر سيدرك الأبوين أن هذا الطفل عبء شديد جداً عليهم لأنه لا يمتلك أي مبادرة ولا يمتلك أي ملكات أو قدرات ولا يستطيع عمل أي شيء بمفرده ، شخصية اعتمادية سلبية مملة .

إذاً فلكي تتحقق الصحة النفسية لأطفالنا لابد من مساعدتهم حتى يتطوروا وينموا وفي نفس الوقت نساعدهم على التكيف مع البيئة التي يعيشون فيها.

2 - الدوائر المتسعة "صحة الطفل - صحة الأم - صحة الأسرة - صحة المجتمع" :

وهذا التوازن ( المذكور أعلاه ) ليس فقط فى دائرة الطفل ولكن هناك دوائر أخرى متتالية تحتاج للتوازن فلن ننظر للطفل على أنه كائن وحيد ، لكن سننظر إليه باعتباره دائرة تحيطها دائرة الأم تحيطها دائرة الأسرة تحيطها دائرة المجتمع ، ولهذا يجب أن تكون هناك حالة توازن بين هذه الدوائر فننظر لصحة الطفل وصحة الأم وصحة الأسرة وصحة المجتمع ، فالأم هي الحضن الأقرب للطفل ، فلا نتصور وجود ابن صحيح نفسياً وله أم مضطربة نفسياً ، والأسرة هي الحضن الأكبر الذي يحتضن الطفل والأم معاً ، فلا نتصور كون الطفل والأم صحيحين معاً في حين أن الأسرة مضطربة ، والطفل والأم والأسرة يحتضنهم المجتمع وهو الدائرة الأكبر فلا نتصور أن يبقى هؤلاء في صحة في حين أن المجتمع في حالة اضطراب .

وعندما نقوم كمعالجين بتقييم حالة طفل ننظر لهذه الدوائر ونحدد موضع الخلل , فأحياناً يأتي الطفل باضطراب معين ، وحينما نفحصه نجد أن هناك خلل في أحد هذه الدوائر أو فى أكثر من دائرة ، فلابد من التفكير في إصلاح هذا الخلل ، ولا نتوقف عند الطفل فقط ، لأن الطفل هو ممثل هذا الاضطراب ، فالطفل أكثر صدقاً وأكثر براءة وأكثر شفافية ، فيظهر فيه الاضطراب بوضوح لكن لا يكون هو أصل الاضطراب فقد يكون هذا الاضطراب من أم مكتئبة أو مجهدة أو مدمنة أو الأسرة أو المجتمع فننظر إلى أصل هذا الاضطراب .

أحياناً نتجه مباشرة لعلاج الأم أولعلاج الأسرة ، أو يكون هناك خلل اجتماعي معين ولو تم تصحيح هذا الخلل يكون هذا الطفل في حالة أفضل .

3- الصحة النفسية بين المطلق والنسبى :

وفي الواقع ، مفهوم الصحة النفسية لكل هؤلاء ( الطفل - الأم - الأسرة - المجتمع ) مفهوم نسبي وليس مفهوماً مطلقاً ، بمعنى أنه يختلف من بيئة لأخرى ومن مجتمع لمجتمع ومن أسرة لأسرة وما يمكن اعتباره صحياً في مكان ، يمكن اعتباره اضطراباً في مكان آخر .

سنعطي مثالا بسيط ليوضح هذه النقطة : لو أن هناك طفل تشتكي أمه من كونه كثير الحركة ويقفز فوق الشبابيك وعلى البلكونات ويكسر الكراسي والأشياء ، وهم يعيشون في شقة غرفتين وصالة ، فهذا الطفل لو تخيلنا أنه انتقل من هذه الشقة الضيقة المحدودة الممتلئة بأشياء زجاجية وقابلة للكسر ، ووضعناه في بيت واسع حوله ساحة كبيرة وشجر ، وعاش الطفل في هذا المكان الجديد يجري في الساحة الخضراء ويقفز فوق الأشجار كما يريد ، وقتها لن تحس الأم أي شقاوة منه أو أي حركة زائدة ، وفي نهاية اليوم يعود بعد هذا الجهد المضنى لينام والأم راضية وهو راض ، هنا اعتبار المكان والظروف مهم جداً .

4 - الإستقطاب بين النقيضين مقابل الحوار والتعايش :

هناك أسر تكون في حالة استقطاب ما بين نقيضين ، بمعنى أنها أسرة أحادية النظرة وأحادية التفكير ، فلا ترى الأشياء إلا بلونين ، أبيض أو أسود ، يرون أن ما يفعلوه هو الصحيح المطلق وكل ما عداه خطأ ، فينشأ الطفل في هذا الجو وهو مستقطب استقطابا شديدا في ناحية واحدة أو اتجاه واحد ، أحادي التفكير ، لا يستطيع رؤية سوى احتمال واحد في كل شيء .

من هنا عندما يكون الاستقطاب في اتجاه ، لابد أن يتصارع مع الاتجاه الآخر أو يضاده ، ويفقد هذا الطفل القدرة على التحاور والتعايش مع الآخرين المختلفين عنه ، وبهذا الشكل يصبح الطفل دائماً في صراع مع أصحابه ، ومع المجتمع ..

وعندما يكبر يظهر موضوع الاستقطاب وأحادية التفكير مع الأب والأم ، لأنه تعود أن الحقيقة واحدة فقط ، فيبدأ بالعدوان على الأب والأم ، لأنهم لم يعودوه الاختلاف مع الآخرين ، والتحاور والتعايش معهم ، فيدفع الأب والأم ثمن هذا الاستقطاب الذي أعطوه للطفل من خلال الجو الأسري القائم على فكرة الاستقطاب أو أحادية التفكير .

5- الإحتياجات بين الإشباع والحرمان :

للإنسان عدد كبير من الاحتياجات ، وهناك عالم نفس شهير هو أبراهام ماسلو ، قام بعمل ما يسمى " هرم الاحتياجات " ، فقال إن الإنسان له احتياجات جسمانية بيولوجية عبارة عن الأكل والشرب والمسكن والملبس ، هذه الاحتياجات لابد أن تشبع أولاً ، وتمثل قاعدة الهرم ، يليها احتياج للأمن والاستقرار ، يليه احتياج للانتماء ، الانتماء لأسرة ولبلد وللإنسانية ، يليه احتياج للحب ، أن يكون الإنسان قادراً على أن يحب ويحب ، يليه احتياج للتقدير ، أن يحس بأن الناس يقدرونه كشخص ، ويقدرون ما يفعله ، وسعيدون به ، وانتهى ماسلو فى آخر الهرم بالاحتياج لتحقيق الذات ، أن يحقق الإنسان ذاته في هذه الحياة ، وتوقف عند هذه النقطة ، لأنه كان يتبع المدرسة الإنسانية ، التي كانت تنظر للإنسان على أنه هو نهاية المطاف.

لكننا نضيف إلى هذه الاحتياجات احتياج مهم جداً هو التواصل الروحي ، فالإنسان لديه احتياج للتواصل الروحي مع الله ، مع الكون، مع الغيب ..

و هذه الاحتياجات لابد من أن تشبع بتوازن ، ولا تطغى إحداها على الأخرى ، ومع هذا هناك قاعدة مهمة وهي أن إشباع الاحتياجات لدرجة التخمة يؤدي إلى حالة من الترهل والضعف والمرض ، فلابد من وجود توازن بين درجة الإشباع ودرجة الحرمان .

ولأن الحرمان ينشط الدوافع ، ويجعل الإنسان يتحرك ويعمل ويكون عنده أمل ، ويسعى وراء هدف ..... لو أشبعت كل حاجة ، فسيتوقف الإنسان عن السعى والحركة والتفكير والإبداع ..... إذن لابد من وجود أشياء يحتاجها .. أشياء يحرم منها ويسعى إليها ويحلم بها ..

إذن فهناك توازن ما بين الإشباع والحرمان ، فالطفل لو أخذ كل احتياجاته فلن يكون صحيحا ، ولو حرم حرماناً شديداً ، ستصبح عنده مشاعر حقد وكراهية وحرمان وكره لمن حوله ، لأن كل الذي يحتاجه لا يجده .

وقد وضع علماء النفس معادلة يمكن تجربتها ، وهي في الحقيقة مفيدة ، قالوا أنه يكفى تلبية 70% من احتياجات الطفل ، بمعني : لو الطفل طلب مائة حاجة ، يلبى له منها 70 فقط ، حتى لو كان ال 100 حاجة منطقيين وهو يحتاجهم فعلاً ، لكن تلبية ال 100 حاجة لن تؤدي إلى سلامة هذا الطفل ، فلابد من وجود شيء ينقصه .. يسعى إليه ويحلم به ، ويكون عنده الأمل أن يحصل عليها في وقت من الأوقات ، ونشجعه أن يعمل ويسعى للحصول عليه .

6 - مواكبة مراحل النمو :

يجب على الأب والأم وأن يواكبوا مراحل النمو الخاصة بأبنائهم ، بمعنى أن يعيشوا معهم مرحلة مرحلة .
وهذه المواكبة مفيدة ليس فقط للأبناء ، بل للأب والأم لأنهما أيضاً محتاجين لأن يعيدوا هذه المراحل مرة أخرى لأنفسهم ،مثلا الأشياء التي لم يتمكن الأب من فعلها سابقا، سيعود لمعايشتها مرة أخرى ، فيكمل النقص أو الأماكن التي كانت مؤلمة نتيجة للحرمان في مرحلة معينة ، وفي نفس الوقت سيكون على نفس الموجة مع أبنائه ، فتعطي فائدة مزدوجة للطرفين ، وتجدد دائماً طفولة ومراهقة وشباب الأب والأم وتقوم بعمل حالة من التكامل في شخصيتهما .

7 - احترام إرادة الطفل :

كثير من الآباء والأمهات يظنون أن الطفل ليست له إرادة أو أنها تنمو عندما يكبر ويصبح شاباً أو رجلاً ، لكن الطفل له إرادة من وقت مبكر جداً ( ويمكن أن تلاحظ الأم هذا من خلال رفضه لأشياء وتمسكه بأشياء ) وليس مسلوب الإرادة ، وحتى لو كانوا يعترفون بوجود هذه الإرادة ، فإنهم يسعون لإلغائها ، لأنهما يعتقدان أن عندهم خبرة و معرفة بالحياة أكثر من هذا الطفل .
وكثير من الآباء والأمهات يصلون إلى درجة أن يحاولوا جعل هذا الطفل صورة طبق الأصل منهم ، وعندما يواجه الطفل بمحاولة إلغاء إرادته يبدأ في هذه اللحظة فى اتباع سلوك العناد ، وهذه مشكلة كثير من الآباء والأمهات يشكون منها ويقولون أن ابنهم عنيدا ، ويحاولون علاجه من هذا المرض ، العناد ‍‍!

ويحضرون هذا الإبن لكي يقوم الطبيب النفسي أو المعالج بترويضه لكي يسمع الكلام ويقوم بتنفيذ كل ما يريدونه ، طبعاً هذا غير ممكن عملياً ، وهذا لا يعني أن نتركه تماماً ليفعل كل ما يشاء بناءاً على كونه لديه إرادة مستقلة .

وقد قام العلماء بتقسيم الهداية ، وهي نوع من التربية والتوجيه ، فقالوا إن الهداية نوعان : النوع الأول " هداية إبلاغ " ، والثاني " هداية فعل " .

هداية الإبلاغ هذه أن نقول للطفل هذا صواب وهذا خطأ ، لابد لكي يكون عنده قانون يتكيف به مع الحياة والبيئة ومع الكون كله ، ولكن لا يتوقعوا الامتثال التام لهذا القانون بمجرد إبلاغه ، لأن هناك هداية أخرى هي هداية الفعل ، أن يستجيب الطفل للرسالة التي وصلته لا يعني بالضرورة أن يستجيب لها كلها ، يستجيب لأشياء ويؤدي أشياء ويغير أشياء ويعدل أشياء ، لأن الله خلق له إرادة ورؤية , وله فكر حتى وهو صغير ، لابد أن نتأكد من هذا تماماً ، فسيبدأ في الاختيار ، وسيبدأ بالتجريب .

ونتيجة ضغط الوالدين على الطفل بهدف تطبيق أوامرهما حرفيا، ستكون شيئاً من اثنين:

* إما أن يستسلم الطفل تحت هذا الضغط والقهر من الأبوين ، فيكون طفلا سلبيا واعتماديا ليس له إرادة ولا اختيار ولا مبادرة .. ، من الممكن أن يفشل دراسياً ، أو اجتماعياً ، أو أخلاقياً .

*أومن الممكن أن يتمرد الطفل ، أن يرفض عمل أى شيء ، ويصبح عدوانيا ، يفعل ضد كل ما يقولونه له ، ويصبح عنيفا جداً ، لأن هناك صراع إرادات .. وتكون رحلة صراع مؤلمة وضارة للطرفين ويتراكم فيها ، مشاعر سلبية عند الطفل تجاه الأبوين ، وعند الأبوين تجاه الطفل ، ويدخل الجميع في أزمة ، وهذا كله بسبب مشاعر الصراع والعداء التي تكونت نتيجة لإصرار كل طرف على إلغاء إرادة الطرف الآخر .

8 - مراعاة مشاعر الطفل :

ففي مجتمعاتنا - كما قال أحد العلماء - عندنا أمية تربوية وعندنا أمية نفسية ، وعندنا أمية وجدانية .

الأمية التربوية هي أننا محتارون في كيفية تربية الأولاد ، ولدينا أخطاء كثيرة ، أحياناً نربيهم بطرق محفوظة وأنماط جامدة غير مرنة ، ونصمم عليها ، ولا نغيرها مع الوقت ، رغم أن الطفل كما قلنا يتغير وينمو ، واحتياجاته تختلف من وقت لآخر ، لكننا توقفنا عند أنماط جامدة وقواعد صلبة ، بالرغم من أن هذه القواعد من الممكن أن تكون صحيحة إلا أن عدم تغييرها وعدم مواكبتها لتطور الطفل ونموه يجعلها غير صحيحة ، وتحتاج إلى تعديل وتغيير من وقت لآخر.

والأمية النفسية تتعلق بعدم فهمنا لأنفسنا والآخرين.

أما الأمية الوجدانية فهى أمية المشاعر ، بمعنى أننا لا نعطي للمشاعر اهتماماً كبيراً ولا نراعي مشاعر بعضنا بشكل كاف ، ولا يهمنا الكلمة التي نقولها إن كانت تؤثر في هذا أو تغضب ذاك ، فكثيراً ما نقوم بعمل أشياء لا نحس بها ولكنها تسبب آثاراً كبيرة على الناس .

والطفل - على وجه الخصوص - كائن رقيق بريء ناعم ولطيف ، تكون له مشاعر مرهفة جداً وتحتاج للتعامل بدقة وحساسية لأن هذا الطفل كيان بريء يحتاج أن تكون في غاية الحرص والحذر في التعامل معه ، والطفل لم يتعود بعد التعبير عن مشاعره بلغتنا المعتادة لذلك حين يتأزم وجدانيا ربما يظهر عليه ذلك فى صورة اضطراب فى الشهية أو اضطراب فى النوم أو اضطراب فى السلوك .

والحقيقة أننا لا ندرك هذه المشاعر بدرجة كبيرة وأن مشاعر هذا الطفل مختلفة عن مشاعرنا ولا تظهر بالشكل الذي اعتدناه لأنها لم تأخذ الشكل المميز لكنها موجودة ، ونحن في حاجة لقراءتها بلغتها البسيطة دون تعقيد .

9 - رعاية مواهب الطفل واحترام الفروق الفردية بين الأطفال :

كثير من الآباء والأمهات يريدون للأطفال أن يصبحوا قالباً واحداً ، يريدونهم بنفس السلوك ،
إن إهدار الفوارق الفردية يسبب مشكلة كبيرة ، أو عدة مشاكل ،

أولاً : إن كل إنسان وهبه الله قدرة خاصة ليضيف بها إلى هذه الحياة ، فبإنكارنا لهذه الموهبة ، تضيع الموهبة وفي نفس الوقت لن نتمكن من إجبار الطفل على التميز في مجال ليس موهوباً فيه .

فيجب أن سنظر للطفل بعطف ورعاية لكل موهبة عند ه، بالشكل الذي تظهر به ، وننميها ونهذبها ونكبرها ونوجهها ، لكن لا نطفئها ، فنحن في مجتمع - للأسف الشديد - يقتل كل المواهب ، لأن لدينا تصور أن النجاح نمطي ، وتصور يكاد يكون أحاديا ، أن الطفل لابد من أن يقوم بعمل أشياء معينة ، ولكن هناك ألوان كثيرة من النجاح والإبداع والعطاء وألون كثيرة من تعمير هذه الحياة ، كل شخص يقوم بعملها بطريقته ، وبالموهبة التي منحه الله إياها ، فلا نشوه هذه الفطرة .

وهذا ما نفتقده في مجتمعنا الحالي ، أننا نفتقد ملكات الإبداع والابتكار في كل المجالات ، في العلم والأدب والدين والفن وكل شيء ، لأننا لا نرى هذه المواهب ولا نحترمها .

وفى الآونة الأخيرة كثر الحديث عن ما يسمى ب " الذكاءات المتعددة " مثل الذكاء اللفظى اللغوى , والذكاء المنطقى الحسابى والذكاء البصرى الفراغى والذكاء الحركى والذكاء الفنى والذكاء الإجتماعى والذكاء الوجدانى والذكاء الروحى . وللأسف الشديد نحن لانقيّم فى أبنائنا غير عدد قليل من هذه الذكاءات غالبا الذكاء اللفظى اللغوى والذكاء المنطقى الحسابى , وهذا يهدر بقية ملكاتهم التى أودعهم الله إياها ويتركهم فى حيرة ويجعلهم يشعرون بالدونية لأن ملكاتهم ليست لها قيمة عند الناس الذين يحبونهم ويرعونهم .

وهذه النظرة المختزلة للأبناء لا تتوقف عند حدود البيت وإنما تمتد أيضا إلى المدرسة ( بل ربما يكون مصدرها الأساسى فى المدرسة ) حيث يقوم النظام التعليمى على تقدير ملكات محدودة لدى الطالب ( غالبا اللفظية اللغوية والمنطقية الحسابية ) ويهمل بقية الملكات والذكاءات , ولهذا نجد الطلاب لا يحبون مدارسهم لأنهم لا يجدون أنفسهم فيها , وقد زاد من هذه المشكلة الإنتشار الوبائى للدروس الخصوصية والتى كانت فى فترة من الفترات بمثابة التعليم الموازى والآن أصبحت تمثل التعليم البديل , والتعليم فى الدروس الخصوصية يقوم على فكرة إعداد كائن امتحانى يحصد أكبر عدد من الدرجات ولا شئ غير ذلك , وهكذا يختزل الطالب كإنسان ويتحول لأداة تجمع الدرجات , فضلا عن اكتسابه صفات الإعتمادية والإنتهازية والإستسهال والمسايرة والنمطية وكلها صفات تخر ج لنا جيلا هزيلا لايعتمد عليه .

10 - مراعاة الترتيب والتكامل فى وسائل التربية :

قرر علماء التربية أن الوسائل التربوية تتبع حسب الترتيب التالى :

*القدوة.

*الثواب .

*العقاب.

ومع هذا نجد المربين لايولون القدوة أهمية كبيرة ولايولون الثواب اهتماما أو عناية , وربما تختزل العملية التربوية برمتها فى العقاب ويختزل العقاب فى الضرب .

ولكى تسير العملية التربوية بشكل صحيح لابد وأن تتوازن وتتكامل فيها كل الوسائل التربوية مع مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال , فهناك من تكفيه الإشارة وهناك من تكفية نظرة العتاب وهناك من ينصلح بالقدوة وهناك من يحفزه الثواب وهناك من يحتاج للعقاب . والمربى الناجح هو الذى يعرف متى وأين وكيف يستخدم هذه الوسائل .

عن د.محمد المهدي.

أ.بوعود

المساهمات : 65
تاريخ التسجيل : 12/11/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى